التحقیق فی نفی التحریف (8)

پدیدآورالسیدعلی المیلانی

نشریهمجله تراثنا

تاریخ انتشار1389/02/15

منبع مقاله

share 746 بازدید
التحقیق فی نفی التحریف (8)

السیدعلی المیلانی
الفصل الخامس

مشهوران لا أصل لهما

لقائل أن یقول : لقد أوضحت ما کان غامضا من أمر التحریف والقائلین به . . ولکن بحثک یشتمل علی التجهیل والتفسیق لبعض الصحابة ، والطعن فی الصحیحین ، وهذا خلاف مذهب جمهور أبناء السنة فی المسألتین ! !
وأقول : نعم . . إن المشهور بین أهل السنة هو القول بصحة أخبار کتب اشتهرت بالصحاح . . فقالوا بصحة کتب : البخاری ومسلم والنسائی والترمذی وابن ماجة وأبی داود . . وهذه هی الکتب المعروفة عندهم بالصحاح . . ومنهم من زاد علیها الموطأ ، أو نقص منها سنن ابن ماجة . . لکن لا کلام بینهم فی کتابی البخاری ومسلم ، بل ادعی الإجماع علی صحة ما فی هذین الکتابین وأنهما أصح الکتب بعد القرآن المبین ـ وإن اختلفوا فی ترجیح أحدهما علی الآخر ـ بل اذعی جماعة منهم القطع بأحادیثهما ، وعلی هذا الاساس قالوا بأن من روی له الشیخان فقد جاز القنطرة (1) .
قال ابن حجر المکی : « روی الشیخان البخاری ومسلم فی صحیحیهما اللذین هما أصح الکتب بعد القرآن بإجماع من یعتد به » (2) .
وقال أبو الصلاح : « أول من صنف فی الصحیح : البخاری أبو عبد الله محمد بن اسماعیل . وتلاه أبو الحسین مسلم بن الحجاج القشیری ، ومسلم مع أنه أخذ عن البخاری واستفاد منه فإنه یشارک البخاری فی کثیر من شیوخه ، وکتاباهما أصح الکتب بعد کتاب الله العزیز » (3) .
وقال الجلال السیوطی : « وذکر الشیخ ـ یعنی ابن الصلاح ـ أن ما رویاه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته ، والعلم القطعی حاصل فیه . قال : خلافا لمن نفی ذلک ، محتجا بأنه لا یفید إلا الظن ، وإنما تلقته الامة بالقبول لأنه یجب علیهم العمل بالظن والظن قد یخطئ ، قال : وکنت أمیل إلی هذا وأحسبه قویا ، ثم بان لی أن الذی اخترناه أولا هو الصحیح ، لأن ظن من هو معصوم عن الخطأ لا یخطئ ، والامة فی إجماعها معصومة من الخطأ ، ولهذا کان الإجماع المبنی علی الاجتهاد حجة مقطوعا بها ، وقد قال إمام الحرمین : لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما فی الصحیحین ـ مما حکما بصحته ـ من قول النبی [ صلی الله علیه وآله ] ألزمته الطلاق ، لإجماع علماء المسلمین علی صحته .
قال المصنف : وخالفه المحققون والأکثرون فقالوا : یفید الظن ما لم یتواتر . قال فی شرح مسلم : لأن ذلک شأن الآحاد ، ولا فرق فی ذلک بین الشیخین وغیرهما ، وتلقی الامة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فیهما من غیر توقف علی النظر فیه ، بخلاف غیرهما فلا یعمل به حتی ینظر فیه ویوجد فیه شروط الصحیح ، ولا یلزم من إجماع الامة علی العمل بما فیهما إجماعهم علی القطع بأنه کلام النبی [ صلی الله علیه وآله ] . قال : وقد اشتد إنکار ابن برهان علی من قال بما قاله الشیخ ، وبالغ فی تغلیطه .
وکذا عاب ابن عبد السلام علی ابن الصلاح هذا القول وقال : إن بعض المعتزلة یرون أن الامة إذا عملت بحدیث اقتضی ذلک القطع بصحته ، قال : وهو مذهب ردئ .
قال البلقینی : ما قاله النووی وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع ، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرین مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعیة ، کأبی إسحاق وأبی حامد الاسفرانیین ، والقاضی أبی الطیب ، والشیخ أبی إسحاق الشیرازی ، وعن السرخسی من الحنفیة ، والقاضی عبد الوهاب من المالکیة ، وأبی یعلی وابن الزاغونی من الحنابلة ، وابن فورک وأکثر أهل الکلام من الأشعریة ، وأهل الحدیث قاطبة ، ومذهب السلف عامة . بل بالغ ابن طاهر المقدسی فی ( صفوة التصوف) فألحق به ما کان علی شرطهما وإن لم یخرجاه . وقال شیخ الإسلام : ما ذکره النووی مسلم من جهة الأکثرین ، أما المحققون فلا . وقد وافق ابن الصلاح أیضا محققون . . . وقال ابن کثیر : وأنا مع ابن الصلاح فیما عول علیه وأرشد إلیه .
قلت : وهو الذی أختاره ولا أعتقد سواه » (4) .
وقال أحمد بن عبد الرحیم الدهلوی : « وأما الصحیحان فقد اتفق المحدثون علی أن جمیع ما فیهما من المتصل المرفوع صحیح بالقطع ، وأنهما متواتران إلی مصنفیهما وأنه کان من یهون أمرهما فهو مبتدع متبع غیر سبیل المؤمنین » (5) .
أقول : إن البحث عن « الصحیح » و« الصحاح » و« الصحیحین » طویل عریض لا نتطرق هنا إلیه ، عسی أن نوفق لتألیف کتاب فیه . . لکنا نقول بأن الحق مع من خالف ابن الصلاح ، وأن ما ذکره الدهلوی مجازفة ، وأن الإجماع علی أحادیث الصحیحین (6) غیر قائم . . نعم . . ذاک هو المشهور . . لکنه لا أصل له . . وسنبین هذا بإیجاز :

الکلام حول الصحیحین

والحقیقة . . أنا لم نفهم حتی الآن السبب فی تخصیص هذا الشأن بالکتابین ، وذکر تلک الفضائل لهما (7) دون غیرهما من کتب المصنفین ! !
ألم یصنف مشایخ الرجلین وأئمة الحدیث من قبلهما فی الحدیث ؟‍‍!
ألم یکن فی المتأخرین عنهما من هو أعرف بالحدیث الصحیح منهما ? !
ألیس قد فضل بعضهم کتاب أبی داود علی البخاری ، وقال الخطابی : « لم یصنف فی علم الحدیث مثل سنن أبی داود » ، وهو أحسن وضعا وأکثر فقها من الصحیحین (8) ? !
ألیس قد قال ابن الأثیر : « فی سنن الترمذی ما لیس فی غیرها من ذکر المذاهب ووجوه الاستدلال وتبیین أنواع الحدیث من الصحیح والحسن والغریب » ? !
ألیس قد قیل فی النسائی : إن له شرطا فی الرجال أشد من شرط البخاری ومسلم ? ! (9) .
ألیس قد وصف غیر الکتابین من کتب الحدیث بما یقتضی الترجیح علیهما ? !
إنه لم یکن للرجلین هذا الشأن فی عصرهما وبین أقرانهما . . فلما ذا هذا التضخیم لهما فیما بعد ? !
لا ندری . . هل للسیاسة دور فی هذه القضیة کما کان فی قضیة حصر المذاهب ؟ أو أن شدة تعصبهما ضد أهل البیت علیهم السلام هو الباعث لترجیح أبناء السنة کتابیهما علی سائر الکتب ? !
لکنی أری أن السبب کلا الأمرین . . لأن السلطات ـ فی الوقت الذی کانت تضیق علی أئمة أهل البیت علیهم السلام وتلاحق تلامذتهم ورواة حدیثهم وعلماء مدرستهم ـ کانت تدعو إلی عقائد المخالفین لهم وتروج کتبهم وتساعد علی نشرها . . ومن الطبیعی أن تقدم کل من کان أکثر عداوة وأشد تعصبا فی هذا المیدان . .
قال السید شرف الدین : « . . وأنکی من هذا کله عدم احتجاج البخاری فی صحیحه بأئمة أهل البیت النبوی ، إذ لم یرو شیئا عن الصادق والکاظم والرضا والجواد والهادی والزکی العسکری وکان معاصرا له ، ولا روی عن الحسن بن الحسن ، ولا عن زید بن علی بن الحسین ، ولا عن یحیی بن زید ، ولا عن النفس الزکیة محمد بن عبد الله الکامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط ، ولا عن أخیه إبراهیم بن عبد الله ، ولا عن الحسین الفخی بن علی بن الحسن بن الحسن ، ولا عن یحیی بن عبد الله بن الحسن ، ولا عن أخیه إدریس بن عبد الله ، ولا عن محمد بن جعفر الصادق ، ولا عن محمد بن إبراهیم بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا ، ولا عن أخیه القاسم الشرسی ، ولا عن محمد بن زید بن علی ، ولا عن محمد بن القاسم بن علی بن عمر الأشرف بن زین العابدین صاحب الطالقان المعاصر للبخاری ، ولا عن غیرهم من أعلام العترة الطاهرة وأغصان الشجرة الزاهرة ، کعبدالله بن الحسن وعلی بن جعفر العریضی وغیرهما ، ولم یرو شیئا عن حدیث سبطه الأکبر وریحانته من الدنیا أبی محمد الحسن المجتبی سید شباب أهل الجنة . . مع احتجاجه بداعیة الخوارج وأشدهم عداوة لأهل البیت عمران بن حطان ، القائل فی ابن ملجم وضربته لأمیر المؤمنین علیه السلام :
یا ضربة من تقی ما أراد بها * إلا لیبلغ من ذی العرش رضوانا
إنی لأذکره یوما فــأحسبه * أوفی البریة عندالله میزانا » (10)
نعم . . هکذا فعلت السلطات . . والعلماء والمحدثون . . المتربعون علی موائدهم ، والسائرون فی رکابهم ، الآخذون منهم مناصبهم ورواتبهم ، یتسابقون فی تأیید خططهم وتوجیهها ، تزلفا إلیهم وتقربا منهم . . حتی بلغ الأمر بهم إلی وضع الفضائل للکتابین ومؤلفیهما . . ثم دعوی الإجماع علی قطعیة أحادیثهما ، وعلی تلقی الامة إیاها بالقبول . . ثم القول بأن کل من یهون أمرهما فهو مبتدع متبع غیر سبیل المؤمنین .
تماما کالذی فعلوا ـ بوحی من السلطات ـ فی قضیة حصر المذاهب ، حیث أفتوا بحرمة الخروج عن تقلید الأربعة مستدلین بالإجماع ، فعودی من تمذهب بغیرها ، وانکر علیه ، ولم یول قاض ولا قبلت شهادة أحد ما لم یکن مقلدا لأحد هذه المذاهب . لقد کان التعصب ضد أهل البیت الأطهار علیهم السلام ، خیر وسیلة للتقرب إلی الحکام وللحصول علی الجاه والمقام . . فی بعض الأدوار . . فکلما کان التعصب أشد وأکثر کان صاحبه أفضل وأشهر . . ولذا تراهم یقدمون کتاب البخاری ـ بالرغم من أن لکتاب مسلم مزایا لأجلها قال جماعة بأفضلیته ـ لأنه لم یخرج ما أخرجه مسلم من مناقب أهل البیت کحدیث الثقلین . . وتراهم یقدحون فی الحاکم وفی مستدرکه علی الصحیحین . . لأنه أخرج فیه منها ما لم یخرجاه . . وإن کان واجدا لکل ما اشترطاه . .
ویشهد بذلک تضعیفهم الحدیث الوارد فیهما إذا کان فیه دلالة أو تأیید لمذهب الشیعة . . کما طعن ابن الجوزی وابن تیمیة فی حدیث الثقلین . . وطعن الآمدی ومن تبعه فی حدیث : « أنت منی بمنزلة هارون من موسی » . . المخرج فی الصحیحین . .
فهذا هو الأصل فی کل ما ادعوا فی حق الکتابین . . أنه لیس إلا التعصب . . وإلا فإنهما یشتملان علی الصحیح وغیره کسائر الکتب ، وصاحبا هما محدثان کسائر الرجال . . فها هنا مقامات ثلاثة :

آراء العلماء فی الشیخین :

1 ـ لقد امتنع أبو زرعة عبد الله بن عبد الکریم الرازی من الروایة عن البخاری ، أما مسلم فقد ذکر صحیحه فقال : « هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شیئا یتسوقون به » .
هذا رأی أبی زرعة فی الرجلین ، ذکر ذلک جماعة من الأعلام ، قال الذهبی : « قال سعید البرذعی : شهدت أبازرعة ذکر صحیح مسلم فقال : هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شیئا یتسوقون به ، وأتاه رجل ـ وأنا شاهد ـ بکتاب مسلم ، فجعل ینظر فیه فإذا حدیث عن أسباط بن نصر فقال : ما أبعد هذا عن الصحیح ! . . ثم رأی قطن بن نسیر فقال لی : وهذا أطم من الأول ، قطن بن نسیر یصل أحادیث عن ثابت جعلها عن أنس . . ثم نظر فقال : یروی عن أحمد بن عیسی فی الصحیح ! ما رأیت أهل مصر یشکون فی أنه ـ وأشار إلی لسانه ـ » (11) .
وقال : « قال أبو قریش الحافظ : کنت عند أبی زرعة فجاء مسلم بن الحجاج فسلم علیه وجلس ساعة وتذاکرا ، فلما أن قام قلت له : هذا جمع أربعة آلاف حدیث فی الصحیح . قال : فلمن ترک الباقی ؟ ! ثم قال : هذا لیس له عقل ، لو داری محمد بن یحیی لصار رجلا » (12) .
وقال فی ترجمة علی المدینی شیخ البخاری : « علی بن عبد الله بن جعفر بن الحسن الحافظ ، أحد الأعلام الأثبات ، وحافظ العصر ، ذکره العقیلی فی کتاب الضعفاء فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلی ابن داود والجهمیة ، وحدیثه مستقیم إن شاء الله . قال لی عبد الله بن أحمد : کان أبی حدثنا عنه ، ثم أمسک عن اسمه وکان یقول : حدثنا رجل ، ثم ترک حدیثه بعد ذلک . قلت : بل حدیثه عنه فی مسنده . وقد ترکه إبراهیم الحربی وذلک لمیله إلی أحمد بن أبی داود ، فقد کان محسنا إلیه .
وکذا امتنع مسلم عن الروایة عنه فی صحیحه لهذا المعنی ، کما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الروایة عن تلمیذه محمد (13) لأجل مسألة اللفظ . وقال عبد الرحمن بن أبی حاتم : کان أبو زرعة ترک الروایة عنه من أجل ما کان منه فی المحنة » (14) .
وقال المناوی فی ترجمة البخاری : « زین الامة ، افتخار الأئمة ، صاحب أصح الکتب بعد القرآن . . وقال الذهبی : کان من أفراد العالم مع الدین والورع والمتانة . هذه عبارته فی الکاشف . ومع ذلک غلب علیه الغض من أهل السنة ، فقال فی کتاب الضعفاء والمتروکین : ما سلم من الکلام لأجل مسألة اللفظ ، ترکه لأجلها الرازیان (15) . هذه عبارته واستغفر الله تعالی ، نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان » (16) .
وقد ترجم الذهبی وابن حجر وغیرهما أبا زرعة ترجمة حافلة وأوردوا کلمات القوم فی إمامته وثقته وحفظه وورعه بما یطول ذکره ، والجدیر بالذکر قول الذهبی فی آخر ترجمته : « قلت : یعجبنی کثیرا کلام أبی زرعة فی الجرح والتعدیل یبین علیه الورع والخبرة » (17) .
وقول أبی حاتم فی حقه : « إذا رأیت الرازی ینتقص أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع » (18) .
وقول ابن حبان : « کان أحد أئمة الدنیا فی الحدیث مع الدین والورع والمواظبة علی الحفظ والمذاکرة وترک الدنیا وما فیه الناس » (19) .
وقول ابن راهویه : « کل حدیث لا یعرفه أبو زرعة فلیس له أصل » (20) .
2 ـ وامتنع أبو حاتم الرازی من الروایة عن البخاری . . کما عرفت .
3 ـ وتکلم محمد بن یحیی الذهلی فی البخاری وإخراجه مسلم من مجلس بحثه مذکور فی جمیع کتب التراجم . .
قال الذهبی عن الحاکم : « وسمعت محمد بن یعقوب الحافظ یقول : لما استوطن البخاری نیسابور أکثر مسلم بن الحجاج الاختلاف إلیه ، فلما وقع بین الذهلی وبین البخاری ما وقع فی مسألة اللفظ ونادی علیه ومنع الناس عنه انقطع عنه أکثر الناس غیر مسلم ، فقال الذهلی یوما : ألا من قال باللفظ فلا یحل له أن یحضر مجلسنا ، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام علی رؤوس الناس ، وبعث إلی الذهلی ما کتب عنه علی ظهر حمال ، وکان مسلم یظهر القول باللفظ ولا یکتمه .
قال : وسمعت محمد بن یوسف المؤذن : سمعت أبا حامد بن الشرقی یقول : حضرت مجلس محمد بن یحیی ، فقال : ألا من قال : لفظی بالقرآن مخلوق فلا یحضر مجلسنا ، فقام مسلم بن الحجاج عن المجلس ، رواها أحمد بن منصور الشیرازی عن محمد بن یعقوب ، فزاد : وتبعه أحمد بن سلمة .
قال أحمد بن منصور الشیرازی : سمعت محمد بن یعقوب الأخرم ، سمعت أصحابنا یقولون : لما قام مسلم وأحمد بن سملة من مجلس الذهلی قال : لا یساکننی هذا الرجل فی البلد . فخشی البخاری وسافر » (21) . وترجم له الخطیب فقال : « کان أحد الأئمة والعارفین والحفاظ المتقنین والثقات المأمونین ، صنف حدیث الزهری وجوده ، وقدم بغداد وجالس شیوخها وحدث بها ، وکان الإمام أحمد بن حنبل یثنی علیه وینشر فضله ، وقد حدث عنه جماعة من الکبراء » فذکر کلمات الثناء علیه حتی نقل عن بعضهم قوله : « کان أمیر المؤمنین فی الحدیث » (22) .
والجدیر بالذکر روایة البخاری عنه بالرغم مما کان منه فی حقه ، لکن مع تدلیس فی اسمه ، قال الذهبی : « روی عنه خلائق منهم . . . محمد بن إسماعیل البخاری ، ویدلسه کثیرا ، لا یقول : محمد بن یحیی ، بل یقول : محمد فقط ، أو محمد بن خالد ، أو محمد بن عبد الله ینسبه إلی الجد ویعمی اسمه لمکان الواقع بینهما » (23) .
4 ـ وأورد ابن أبی حاتم البخاری فی کتاب « الجرح والتعدیل » وقال ما نصه : « قدم محمد بن اسماعیل الری سنة 250 وسمع منه أبی وأبو زرعة وترکا حدیثه عندما کتب إلیهما محمد بن یحیی أنه أظهر عندهم بنیسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق » (24) .
وقد وصفوا ابن أبی حاتم بالإمامة والحفظ والثقة والزهد ، بل قالوا : « کان یعد من الأبدال » (25) . وقال الذهبی : « له کتاب نفیس فی الجرح والتعدیل » (26) . وعن ابن مندة : « له الجرح والتعدیل فی عدة مجلدات تدل علی سعة حفظه وإمامته » (27) .
5 ـ وقال أبو بکر ابن الأعین : « مشایخ خراسان ثلاثة : قتیبة ، وعلی بن حجر ، ومحمد بن مهران الرازی ، ورجالها أربعة : عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندی ، ومحمد بن إسماعیل البخاری ـ قبل أن یظهر ـ ، ومحمد بن یحیی ، وأبو زرعة » (28) .
وقوله : « قبل أن یظهر » طعن کما هو ظاهر .
وابن الأعین من أکابر الحفاظ الأعلام .
6 ـ وأورد الذهبی البخاری فی کتاب « میزان الاعتدال فی نقد الرجال » وکتاب « المغنی فی الضعفاء » (29) وهو ما استنکره المناوی فی عبارته آنفة الذکر .

آراء العلماء فی الصحیحین :

قد تضمنت الکلمات السالفة الذکر ـ عن جمع من أعلام الجرح والتعدیل الذین یکفی قدح الواحد منهم للسقوط عن درجة الاعتبار ـ الطعن فی الصحیحین أو أحدهما . . وفی ذلک کفایة فی وهن دعوی الإجماع علی تلقی الامة (30) أحادیثهما بالقبول . . وهنا نتعرض إلی آراء عدة من الأکابر السابقین واللاحقین فی حکم أحادیث الصحیحین . . وقبل الورود فی ذلک نذکر معلومات نقلا عن شراح الکتابین والعلماء المحققین فی الحدیث :
1 ـ قد انتقد حفاظ الحدیث البخاری فی « 110 » أحادیث ، منها « 32 » حدیثا وافقه مسلم فیها ، و« 78 » انفرد هو بها (31) .
2 ـ الذین انفرد البخاری بالإخراج لهم دون مسلم (أربعمائة وبضعة وثلاثون) رجلا . المتکلم فیه بالضعف منهم « 80 » رجلا . والذین انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاری « 620 » رجلا ، المتکلم فیه بالضعف منهم « 160 » رجلا (32) .
3 ـ الأحادیث المنتقدة المخرجة عندهما معا بلغت « 210 » حدیثا ، اختص البخاری منها بأقل من « 80 » حدیثا ، والباقی یختص بمسلم (33) .
4 ـ هناک رواة یروی عنهم البخاری ، ومسلم لا یرتضیهم ولا یروی عنهم ، ومن أشهرهم : عکرمة مولی ابن عباس .
5 ـ قد اتفق الشیخان علی الروایة عن أقوام انتقدهم أصحاب الصحاح الاخری وأئمة المذاهب . . ومن أشهرهم : محمد بن بشار . . حتی نسب إلی الکذب (34) .
6 ـ إنه قد اختلف عدد أحادیث البخاری فی روایات أصحابه لکتابه ، وقال ابن حجر : عدة ما فی البخاری من المتون الموصولة بلا تکرار « 2602 » ، ومن المتون المعلقة المرفوعة « 159 » ، فالمجموع « 2761 » ، وقال فی شرح البخاری : إن عدته علی التحریر « 2513 » حدیث (35) .
7 ـ إن البخاری مات قبل أن یبیض کتابه ، ولذا اختلفت نسخه وروایاته (36) .
8 ـ إن البخاری لم یکن یکتب الحدیث فی مجلس سماعه ، بل بلده ، فعن البخاری أنه قال : رب حدیث سمعته بالبصرة کتبته بالشام ، ورب حدیث سمعته بالشام کتبته بمصر ، فقیل له : یا أبا عبد الله بکماله ؟ ! فسکت » (37) .
أما مسلم فقد « صنف کتابه فی بلده بحضور اصوله فی حیاة کثیر من مشایخه ، فکان یتحرز فی الألفاظ ویتحری فی السیاق . . . » (38) .
وبعد ، فإن دعوی تلقی الامة أحادیث الصحیحین بالقبول وقیام الإجماع علی صحتها . . لا أساس لها من الصحة . . لما تقدم . . ویأتی :
1 ـ النووی : « لیس کل حدیث صحیح یجوز العمل به فضلا عن أن یکون العمل به واجبا » (39) وقال : « وما یقوله الناس : إن من روی له الشیخان فقد جاوز القنطرة ، هذا من التجوه ولا یقوی » (40) .
2 ـ کمال الدین ابن الهمام : « وقول من قال : أصح الأحادیث ما فی الصحیحین ، ثم ما انفرد به البخاری ، ثم ما انفرد به مسلم ، ثم ما اشتمل علی شرطهما ، ثم ما اشتمل علی شرط أحدهما ، تحکم لا یجوز التقلید فیه ، إذ الأصحیة لیست إلا لاشتمال رواتهما علی الشروط التی اعتبراها ، فإن فرض وجود تلک الشروط فی رواة حدیث فی غیر الکتابین أفلا یکون الحکم بأصحیة ما فی الکتابین عین التحکم ? ! » (41) .
3 ـ أبو الوفاء القرشی (42) : « فائدة : حدیث أبی حمید الساعدی فی صفة صلاة رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فی مسلم وغیره ـ یشتمل علی أنواع منها التورک فی الجلسة الثانیة ـ ضعفه الطحاوی . . . ولا یحنق علینا لمجیئه فی مسلم وقد وقع فی مسلم أشیاء لا تقوی عند الاصطلاح ، فقد وضع الحافظ الرشید العطار علی الأحادیث المقطوعة المخرجة فی مسلم کتابا سماه بـ (غرر الفوائد المجموعة فی بیان ما وقع فی مسلم من الأحادیث المقطوعة) وبینها الشیخ محیی الدین فی أول شرح مسلم .
وما یقوله الناس : إن من روی له الشیخان فقد جاز القنطرة ، هذا أیضا من التحنق ولا یقوی ، فقد روی مسلم فی کتابه عن لیث بن أبی مسلم وغیره من الضعفاء ، فیقولون : إنما روی فی کتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات وهذا لا یقوی ، لأن الحفاظ قالوا : الاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات امور یتعرفون بها حال الحدیث ، وکتاب مسلم التزم فیه الصحة ، فکیف یتعرف حال الحدیث الذی فیه بطرق ضعیفة .
واعلم أن (عن) مقتضیة للانقطاع عند أهل الحدیث ، ووقع فی مسلم والبخاری من هذا النوع شیء کثیر ، فیقولون علی سبیل التحنق : ما کان من هذا النوع فی غیر الصحیحین فمنقطع ، وما کان فی الصحیحین فمحمول علی الاتصال .
وروی مسلم فی کتابه عن أبی الزبیر عن جابر أحادیث کثیرة بالعنعنة ، وقال الحافظ : أبو الزبیر محمد بن مسلم بن تدرس المکی یدلس فی حدیث جابر ، فما کان یصفه بالعنعنة لا یقبل ، وقد ذکر ابن حزم وعبدالحق عن اللیث بن سعد أنه قال لأبی الزبیر : علم لی أحادیث سمعتها من جابر حتی أسمعها منک ، فعلم لی أحادیث أظن أنها سبعة عشر حدیثا فسمعتها منه ، قال الحافظ ، فما کان من طریق اللیث عن أبی الزبیر عن جابر صحیح .
وقد روی مسلم فی کتابه أیضا عن جابر وابن عمر فی حجة الوداع : ان النبی [ صلی الله علیه وآله ] توجه إلی مکة یوم النحر ، وطاف طواف الإفاضة ، ثم رجع فصلی الظهر بمنی ، فینحنقون ویقولون : أعادها لبیان الجواز ، وغیر ذلک من التأویلات ، ولهذا قال ابن حزم فی هاتین الروایتین : إحداهما کذب بلا شک .
وروی مسلم أیضا حدیث الإسراء وفیه : ( وذلک قبل أن یوحی إلیه) وقد تکلم الحفاظ فی هذه اللفظة وبینوا ضعفها .
وروی مسلم أیضا : (خلق الله التربة یوم السبت) ، واتفق الناس علی أن یوم السبت لم یقع فیه خلق .
وروی مسلم عن أبی سفیان أنه قال للنبی [ صلی الله علیه وآله ] لما أسلم : یا رسول الله أعطنی ثلاثا : تزوج ابنتی ام حبیبة ، وابنی معاویة اجعله کاتبا ، وأمرنی أن اقاتل الکفار کما قاتلت المسلمین ، فأعطاه النبی [ صلی الله علیه وآله ] ، والحدیث معروف مشهور . وفی هذا من الوهم ما لا یخفی ، فام حبیبة تزوجها رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] وهی بالحبشة وأصدقها النجاشی عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] أربعمائة دینار ، وحضر وخطب وأطعم ، والقصة مشهورة . وأبو سفیان إنما أسلم عام الفتح وبین الهجرة إلی الحبشة والفتح عدة سنین ، ومعاویة کان کاتبا للنبی [ صلی الله علیه وآله ] من قبل ، وأما إمارة أبی سفیان فقد قال الحافظ : إنهم لا یعرفونها .
فیجیبون علی سبیل التحنق بأجوبة غیر طائلة ، فیقولون فی نکاح ابنته : اعتقد أن نکاحها بغیر إذنه لا یجوز وهو حدیث عهد بکفر ، فأراد من النبی [ صلی الله علیه وآله ] تجدید النکاح . ویذکرون عن الزبیر بن بکار بأسانید ضعیفة أن النبی [ صلی الله علیه وآله ] أمره فی بعض الغزوات ، وهذا لا یعرف .
وما حلمهم علی هذا کله إلا بعض التعصب ، وقد قال الحافظ : إن مسلما لما وضع کتابه الصحیح عرضه علی أبی زرعة الرازی فأنکر علیه وقال : سمیته الصحیح فجعلت سلما لأهل البدع وغیرهم ، فإذا روی لهم المخالف حدیثا یقولون : هذا لیس فی صحیح مسلم ؛ فرحم الله تعالی أبازرعة فقد نطق بالصواب ، فقد وقع هذا .
وما ذکرت ذلک کله إلا أنه وقع بینی وبین بعض المخالفین بحث فی مسألة التورک ، فذکر لی حدیث أبی حمید المذکور أولا ، فأجبته بتضعیف الطحاوی فما تلفظ وقال : مسلم یصحح والطحاوی یضعف ، والله تعالی یغفر لنا وله آمین » (43) .
4 ـ أبو الفضل الادفوی (44) : « ثم أقول : إن الامة تلقت کل حدیث صحیح وحسن بالقبول ، وعملت به عند عدم المعارض ، وحینئذ لا یختص بالصحیحین ، وقد تلقت الامة الکتب الخمسة أو الستة بالقبول وأطلق علیها جماعة اسم (الصحیح) ، ورجح بعضهم بعضها علی کتاب مسلم وغیره .
قال أبو سلیمان أحمد الخطابی : کتاب السنن لأبی داود کتاب شریف لم یصنف فی حکم الدین کتاب مثله ، وقد رزق من الناس القبول کافة ، فصار حکما بین فرق العلماء وطبقات الفقهاء علی اختلاف مذاهبهم ، وکتاب السنن أحسن وضعا وأکثر فقها من کتب البخاری ومسلم .
وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسی : سمعت الإمام أبا الفضل عبد الله بن محمد الأنصاری بهراة یقول ـ وقد جری بین یدیه ذکر أبی عیسی الترمذی وکتابه فقال ـ : کتابه عندی أنفع من کتاب البخاری ومسلم .
وقال الإمام أبوالقاسم سعید بن علی الزنجانی : إن لأبی عبد الرحمن النسائی شرطا فی الرجال أشد من شرط البخاری ومسلم .
وقال أبو زرعة الرازی لما عرض علیه ابن ماجة السنن کتابه : أظن إن وقع هذا فی أیدی الناس تعطلت هذه الجوامع کلها ، أو قال : أکثرها .
ووراء هذا بحث آخر وهو : أن قول الشیخ أبی عمرو ابن الصلاح : إن الامة تلقت الکتابین بالقبول ، إن أراد کل الامة فلا یخفی فساد ذلک ، إذ الکتابان إنما صنفا فی المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعین وتابعی التابعین ، وأئمة المذاهب الأربعة ، ورؤوس حفاظ الأخبار ونقاد الآثار المتکلمین فی الطرق والرجال ، الممیزین بین الصحیح والسقیم .
وإن أراد بالامة الذین وجدوا بعد الکتابین فهم بعض الامة ، فلا یستقیم له دلیله الذی قرره من تلقی الامة وثبوت العصمة لهم ، والظاهریة إنما یعتنون بإجماع الصحابة خاصة ، والشیعة لا تعتد بالکتابین وطعنت فیهما ، وقد اختلف فی اعتبار قولهم فی الإجماع والانعقاد .
ثم إن أراد کل حدیث فیهما تلقی بالقبول من الناس کافة فغیر مستقیم ، فقد تکلم جماعة من الحفاظ فی أحادیث فیهما ، فتکلم الدارقطنی فی أحادیث وعللها ، وتکلم ابن حزم فی أحادیث کحدیث شریک فی الإسراء ، قال : إنه خلط ، ووقع فی الصحیحین أحادیث متعارضة لا یمکن الجمع بینها ، والقطع لا یقع التعارض فیه .
وقد اتفق البخاری ومسلم علی إخراج حدیث (محمد بن بشار بندار) وأکثرا من الاحتجاج بحدیثه ، وتکلم فیه غیر واحد من الحفاظ ، أئمة الجرح والتعدیل ، ونسب إلی الکذب ، وحلف عمرو بن علی الفلاس شیخ البخاری أن بندار یکذب فی حدیثه عن یحیی ، وتکلم فیه أبو موسی ، وقال علی بن المدینی فی الحدیث الذی رواه فی السجود : هذا کذب ، وکان یحیی لا یعبأ به ویستضعفه ، وکان القواریری لا یرضاه .
وأکثرا من حدیث (عبد الرزاق) والاحتجاج به ، وتکلم فیه ونسب إلی الکذب .
وأخرج مسلم عن (أسباط بن نصر) ، وتکلم فیه أبو زرعة وغیره .
وأخرج أیضا عن (سماک بن حرب) وأکثر عنه ، وتکلم فیه غیر واحد ، وقال الإمام أحمد بن حنبل : هو مضطرب الحدیث ، وضعفه أمیر المؤمنین فی الحدیث شعبة ، وسفیان الثوری ؛ وقال یعقوب بن شعبة : لم یکن من المتثبتین ؛ وقال النسائی : فی حدیثه ضعف ؛ قال شعبة : کان سماک یقول : فی التفسیر عکرمة ، ولو شئت لقلت له : ابن عباس ، لقاله ؛ وقال ابن المبارک : سماک ضعیف فی الحدیث ؛ وضعفه ابن حزم قال : وکان یلقن فیتلقن .
وکان أبو زرعة یذم وضع کتاب مسلم ویقول : کیف تسمیه الصحیح وفیه فلان وفلان . . . وذکر جماعة . وأمثال ذلک یستغرق أوراقا ، فتلک الأحادیث عندهما ولم یتلقوهما بالقبول .
وإن أراد غالب ما فیهما سالم من ذلک لم یبق له حجة » (45) .
5 ـ الشیخ علی القاری حول صحیح مسلم : « وقد وقع منه أشیاء لا تقوی عند المعارضة ، وقد وضع الرشید العطار کتابا علی الأحادیث المقطوعة فیه ، وبینها الشیخ محیی الدین فی أول شرح مسلم .
وما یقوله الناس : إن من روی له الشیخان فقد جاز القنطرة ، هذا أیضا من التجاهل والتساهل . . . فقد روی مسلم فی کتابه عن اللیث . . . » إلی آخر ما ذکره من الأمثلة لما قاله ، بعبارات تشبه عبارات الادفوی . . . (46) .
6 ـ الشیخ محب الله بن عبدالشکور صاحب « مسلم الثبوت » .
7 ـ الشیخ عبدالعلی الأنصاری الهندی ـ شارح مسلم الثبوت ـ ، وهذا کلامه مازجا بالمتن : « (فرع : ابن الصلاح وطائفة) من الملقبین بأهل الحدیث (زعموا أن روایة الشیخین) محمد بن إسماعیل (البخاری ومسلم) بن الحجاج صاحبی الصحیحین (تفید العلم النظری ، للإجماع أن للصحیحین مزیة) علی غیرهما ، وتلقت الامة بقبولهما ، والإجماع قطعی .
وهذا بهت ، فإن من رجع إلی وجدانه یعلم بالضرورة أن مجرد روایتهما لا یوجب الیقین البتة ، وقد روی فیهما أخبار متناقضة ، فلو أفادت روایتهما علما لزم تحقق النقیضین فی الواقع (وهذا) أی ما ذهب إلیه ابن الصلاح وأتباعه (بخلاف ما قاله الجمهور) من الفقهاء والمحدثین ، لأن انعقاد الإجماع علی المزیة علی غیرهما من مرویات ثقات آخرین ممنوع ، والإجماع علی مزیتهما فی أنفسهما لا یفید و(لأن جلالة شأنهما وتلقی الامة لکتابیهما والإجماع علی المزیة لو سلم لایستلزم ذلک) القطع والعلم ، فإن القدر المسلم المتلقی بین الامة لیس إلا أن رجال مرویاتهما جامعة للشروط التی اشترطها الجمهور لقبول روایتهم ، وهذا لا یفید إلا الظن ، وأما أن مرویاتهما ثابتة عن رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فلا إجماع علیه أصلا . کیف ولا إجماع علی صحة جمیع ما فی کتابیهما ، لأن رواتهما منهم قدریون وغیرهم من أهل البدع ، وقبول روایة أهل البدع مختلف فیه ، فأین الإجماع علی صحة مرویات القدریة ? ! » (47) .
8 ـ ابن أمیر الحاج (48) : « ثم مما ینبغی التنبه له أن أصحیتهما علی ما سواهما تنزلا إنما تکون بالنظر إلی من بعدهما ، لا المجتهدین المتقدمین علیهما ، فإن هذا مع ظهوره قد یخفی علی بعضهم أو یغالط به » (49) .
9 ـ المقبلی (50) فی کتابه « العلم الشامخ » : « فی رجال الصحیحین من صرح کثیر من الأئمة بجرحهم ، وتکلم فیهم من تکلم بالکلام الشدید ، وإن کان لا یلزمهما إلا العمل باجتهادهما » (51) .
10 ـ السید محمد رشید رضا ، بعد أن عرض للأحادیث المنتقدة علی البخاری : « وإذا قرأت ما قاله الحافظ (52) فیها رأیتها کلها فی صناعة الفن . . . ولکنک إذا قرأت الشرح نفسه (فتح الباری) رأیت له فی أحادیث کثیرة إشکالات (53) فی معانیها أو تعارضها مع غیرها ، مع محاولة الجمع بین المختلفات وحل المشکلات بما یرضیک بعضه دون بعض » (54) .
وقال : « مما لا شک فیه أیضا أنه یوجد فی غیرهما من دواوین السنة أحادیث أصح من بعض ما فیهما . . . ولا یخلو [ البخاری ] من أحادیث قلیلة فی متونها نظر قد یصدق علیه بعض ما عدوه من علامة الوضع ، کحدیث سحر بعضهم للنبی [ صلی الله علیه وآله ] الذی أنکره بعض العلماء کالإمام الجصاص من المفسرین المتقدمین والاستاذ الإمام محمد عبده من المتأخرین ، لأنه معارض بقوله تعالی : (إذ یقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا . انظر کیف ضربوا لک الأمثال فضلوا فلا یستطیعون سبیلا) [ الإسراء 17 : 47 و48 ] .
هذا ، وإن فی البخاری أحادیث فی امور العادات والغرائز لیست من اصول الدین ولا فروعه ، فإذا تأملتم هذا وذاک علمتم أنه لیس من اصول الدین ولا من أرکان الإسلام أن یؤمن المسلم بکل حدیث رواه البخاری مهما یکن موضوعه ، بل لم یشترط أحد فی صحة الإسلام ولا فی معرفته التفصیلیة الاطلاع علی صحیح البخاری والإقرار بکل ما فیه .
وعلمتم أیضا أن المسلم لا یمکن أن ینکر حدیثا من هذه الأحادیث بعد العلم به إلا بدلیل یقوم عنده علی عدم صحته متنا أو سندا ، فالعلماء الذین أنکروا صحة بعض هذه الأحادیث لم ینکروها إلا بأدلة قامت عندهم ، قد یکون بعضها صوابا وبعضها خطأ ، ولا یعد أحدهم طاعنا فی دین الإسلام » (55) .
11 ـ الشیخ محمود أبو ریة . . . فإنه انتقد الصحیحین انتقادا علمیا واستشهد فی بحثه بکلمات العلماء من المتقدمین والمتأخرین . . . (56) .
12 ـ الدکتور أحمد أمین ـ حول البخاری ـ : « إن بعض الرجال الذین روی لهم غیر ثقات ، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاری نحو الثمانین ، وفی الواقع هذه مشکلة المشاکل . . . » (57) .
13 ـ الأمیر شکیب أرسلان : « إن کثیرین من المسلمین ومن ذوی الحمیة الإسلامیة وممن لا ینقصهم شیء من الإیمان والإیقان . . لا یرون من الواجب الدینی الإیمان بکل ما جاء فی الصحیحین وغیرهما من الأحادیث ، لاحتمال أن یکون تطرق إلیها التبدیل والتغییر أو دخلها الزیادة والنقصان . . . » (58) .
14 ـ الشیخ أحمد محمد شاکر : « قد وقع فی الصحیحین أحادیث کثیرة من روایة بعض المدلسین » (59) .
***

الصحیحان فی المیزان

هذا . . وقد ألف بعض أعاظم القوم « علل الحدیث » المخرج فی الصحیحین کالدار قطنی ، وآخر « غریب الصحیحین » کالضیاء المقدسی ، وثالث « نقد الصحیح » کالفیروز آبادی ، ورابع « التنقیح لألفاظ الجامع الصحیح » کالزرکشی ، وخامس « غرر الفوائد المجموعة فی بیان ما وقع فی مسلم من الأحادیث المقطوعة » کالعطار . . .
ودافع ابن حجر العسقلانی عن البخاری وحاول رفع مشکلات حدیثه فی مقدمة شرحه ، لکنه أخفق فی مواضع واعترف بالإشکال وستعلم بعض ذلک . . .
وقبل الشروع فی ذکر نماذج من الأحادیث المحکوم علیها بالوضع أو الضعف أو الخطأ . . المخرجة فی الصحیحین . . نذکر بمطلبین :
1 ـ إنا عندما نلاحظ کتب الحدیث وعلومه عند القوم ، ونستعرض أحوال محدثیهم ورواتهم ، نجد أنهم یهتمون بروایة الحدیث ونقله بسنده ومتنه ، ولا یعتنون بالنظر فی معناه ومدلوله ، وأن الأوصاف والألقاب والمناصب والمراتب تعطی لمن کان أوسع جمعا وأکثر روایة ، لا لمن کان أدق نظرا وأوفر درایة . . . ومن هنا کثرت منهم الأغلاط الفاحشة ، حتی فی الآیات القرآنیة والأحکام الشرعیة .
قال ابن الجوزی : « إن اشتغالهم بشواذ الحدیث شغلهم عن القرآن . . . إن عبد الله بن عمر بن أبان مشکدانة قرأ علیهم فی التفسیر : (ویعوق وبشرا) فقیل له : ( ونسرا) فقال : هی منقوطة من فوق ، فقیل له : النقط غلط . قال : فارجع إلی الأصل .
قال الدارقطنی : سمعت أحمد بن عبیدالله المنادی یقول : کنا فی دهلیز عثمان بن أبی شیبة فخرج إلینا فقال : (ن والقلم) فی أی سورة هو ? .
قال : وأما بیان إعراضهم عن الفقه شغلا بشواذ الأحادیث فقد رویت عنهم عجائب . . . وقفت امرأة علی مجلس فیه یحیی بن معین وأبو خیثمة وخلف بن سالم فی جماعة یتذاکرون الحدیث ، فسمعتهم یقولون : قال رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] ، ورواه فلان ، وما حدث به غیر فلان ، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتی ـ وکانت غاسلة ـ ؟ فلم یحببها أحد منهم ، وجعل بعضهم ینظر إلی بعض ، فأقبل أبو ثور فقالوا لها : علیک بالمقبل ، فالتفتت إلیه فسألته فقال : نعم تغسل المیت بحدیث عائشة : ان النبی [ صلی الله علیه وآله ] قال لها : حیضتک لیست فی یدک ، ولقولها : کنت أفرق رأس رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] بالماء وأنا حائض ، قال أبو ثور : فإذا فرقت رأس الحی فالمیت أولی به ، فقالوا : نعم ، رواه فلان وحدثنا فلان ؛ وخاضوا فی الطرق ، فقالت المرأة : فأین کنتم إلی الآن ? ! » (60) .
قال : « وقد کان فیهم مع کثرة سماعه وجمعه للحدیث من یرویه ولا یدری ما معناه ، وفیهم من یصحفه ویغیره . . . أخبرنا الدارقطنی : أن أبا موسی محمد ابن المثنی العنزی قال لهم یوما : نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة قد صلی رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] إلینا ، لما روی أن النبی [ صلی الله علیه وآله ] صلی الی عنزة ، توهم أنه صلی إلی قبلتهم ، وإنما العنزة التی صلی إلیها رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] هی حربة » (61) .
قال : « وقد کان أکثر المحدثین یعرفون صحیح الحدیث من سقیمه وثقات النقلة من مجروحیهم ثم یعابون لقلة الفقه ، فکان الفقهاء یقولون للمحدثین : نحن الأطباء وأنتم الصیادلة . . . » (62) .
قال : « والآن فالغالب علی المحدثین السماع فحسب ، لا یعرفون صحابیا من تابعی ، ولا حدیثا مقطوعا من موصول ، ولا صحة إسناد من بطلانه ، وفرض مثل هؤلاء القبول ممن یعلم ما جهلوه . . . » (63) .
وبالجملة . . فإن هذا حال أهل الحدیث . . إلا القلیل منهم . . الذین نظروا فی الأحادیث وبحثوا عن أحوالها علی أساس النظر فی المفاد والمدلول . . فجاء عنهم الطعن والقدح فی أحادیث کثیرة حتی من الصحیحین . . لأن الحدیث إذا عارض الکتاب أو خالف الضرورة من الدین أو العقل أو التاریخ یکذب وإن صح سنده . . وقد أشرنا إلی هذه القاعدة المقررة من قبل . .
2 ـ إنه قد اختلف القوم فی أسباب الجرح والتعدیل اختلافا فاحشا فرب راو هو موثوق به عند البخاری ومجروح عند مسلم کعکرمة مولی ابن عباس أو موثوق عندهما ومجروح عند غیرهما . . . کما ذکرنا . .
ویتلخص : أن فی أحادیث الصحیحین ما هو مطعون فیه من جهة السند ، وما هو مطعون فیه من جهة دلالته علی معنی تخالفه الضرورة من النقل أو العقل ، وما هو مطعون فیه من الجهتین . . وإلیک نماذج من هذه الأنواع :
1 ـ أخرج البخاری فی کتاب الطب بسنده عن ابن أبی ملیکة عن ابن عباس عن رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] أنه قال فی کسب المعلمین : « إن أحق ما اخذ علیه الأجر کتاب الله » (64) .
وأورده ابن الجوزی فی الموضوعات ، حیث رواه بسنده عن ابن أبی ملیکة عن عائشة وطعن فی سنده ثم قال : « والحدیث منکر » (65) .
2 ـ أخرج البخاری فی کتاب التفسیر عن ابن عباس قال : « قرأ رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] بمکة : والنجم . . فلما بلغ : أفرأیتم اللات والعزی ومناة الثالثة الاخری ، ألقی الشیطان فی امنیته . . . » (66) .
قال الرازی : « أما أهل التحقیق فقد قالوا : هذه الروایة باطلة موضوعة
وبین بطلانها ، وحکی عن محمد بن إسحاق بن خزیمة أنه سئل عن هذه القصة فقال : إنها من وضع الزنادقة . وقال الإمام أبو بکر البیهقی : هذه القصة غیر ثابتة من جهة النقل » (67) .
وقال القاضی عیاض المالکی : « قد قامت الحجة وأجمعت الامة علی عصمته [ صلی الله علیه وآله ] ونزاهته عن مثل هذه الرذیلة النقیصة . . . » (68) .
3 ـ قال ابن حزم : « ومن طریق البخاری ، قال : هشام بن عمار ، نا صدقة بن خالد ، نا عبد الرحمن بن یزید بن جابر ، ناعطیة بن قیس الکابلی ، نا عبد الرحمن بن غنم الأشعری ، حدثنی أبو عامر وأبو مالک الأشعری ـ والله ما کذبنی ـ أنه سمع رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] یقول : لیکونن من امتی قوم یستحلون الخز والخنزیر والخمر والمعازف .
وهذا منقطع لم یتصل ما بین البخاری وصدقة بن خالد ، ولا یصح فی هذا الباب شیء أبدا ، وکل ما فیه موضوع » (69) .
4 ـ أخرج البخاری بسنده عن عروة : « ان النبی [ صلی الله علیه وآله ] خطب عائشة بنت أبی بکر فقال له أبو بکر : إنما أنا أخوک ، فقال : أنت أخی فی دین الله وکتابه ، وهی لی حلال » (70) .
قال ابن حجر : « قال مغلطای : فی صحة هذا الحدیث نظر ، لأن الخلة لأبی بکر إنما کانت بالمدینة ، وخطبة عائشة کانت بمکة ، فکیف یلتئم قول : إنما أنا أخوک ؟ ! وأیضا . . فالنبی [ صلی الله علیه وآله ] ما باشر الخطبة بنفسه . . . » (71) .
5 ـ أخرج البخاری فی کتاب التفسیر بسنده عن أبی هریرة عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] قال : « یلقی إبراهیم أباه فیقول : یارب إنک وعدتنی ألا تخزنی یوم یبعثون : فیقول الله : إنی حرمت الجنة علی الکافرین » (72) .
قال ابن حجر : « وقد استشکل الإسماعیلی هذا الحدیث من أصله وطعن فی صحته ، فقال بعد أن أخرجه : هذا خبر فی صحته نظر من جهة أن إبراهیم عالم أن الله لا یخلف المیعاد ، فکیف یجعل ما صار لأبیه خزیا له مع علمه بذلک ؟ ! وقال غیره : هذا الحدیث مخالف لظاهر قوله تعالی : وما کان استغفار . . . » (73) .
6 ـ أخرج البخاری فی کتاب الصلح بسنده عن أنس ، قال : « قیل للنبی [ صلی الله علیه وآله ] لو أتیت عبد الله بن ابی ، فانطلق إلیه النبی [ صلی الله علیه وآله ] ورکب حمارا ، فانطلق المسلمون یمشون وهی أرض سبخة ، فلما أتاه النبی [ صلی الله علیه وآله ] قال : إلیک عنی ، والله لقد آذانی نتن حمارک ، فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] أطیب ریحا منک ، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه ، فغضب لکل واحد منهما أصحابه ، فکان بینهما ضرب بالجرید والأیدی والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : وإن طائفتان من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینهما . قال أبو عبد الله : هذا مما انتخبت من مسدد قبل أن یجلس ویحدث » (74) .
قال الزرکشی : « فبلغنا أنها نزلت : وإن طائفتان . قال ابن بطال : یستحیل نزولها فی قصة عبد الله بن أبی والصحابة ، لأن أصحاب عبد الله لیسوا بمؤمنین وقد تعصبوا بعد الإسلام فی قصة فدک ، وقد رواه البخاری فدل علی أن الآیة لم تنزل فیه ، وإنما نزلت فی قوم من الأوس والخزرج اختلفوا فی حق فاقتتلوا بالعصی والنعال » (75) .
7 ـ أخرج البخاری فی کتاب التفسیر بسنده عن ابن عمر قال : « لما توفی عبد الله بن ابی ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلی رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فسأله أن یعطیه قمیصه یکفن فیه أباه فأعطاه ، ثم سأله أن یصلی علیه ، فقام رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] لیصلی علیه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال : یا رسول الله ، تصلی علیه وقد نهاک ربک أن تصلی علیه ؟! فقال رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] : إنما أخبرنی الله فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعین مرة ، وسأزیده علی السبعین . قال : إنه منافق ! قال : فصلی علیه رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فأنزل الله : ولا تصل علی أحد منهم مات أبدا ولا تقم علی قبره » (76) .
طعن فیه : أبو بکر الباقلانی ، إمام الحرمین الجوینی ، الغزالی ، الداودی . قال ابن حجر « استشکل فهم التخییر من الآیة ، حتی أقدم جماعة من الأکابر علی الطعن فی صحة الحدیث ، مع کثرة طرقه واتفاق الشیخین وسائر الذین خرجوا الصحیح علی تصحیحه . . . » ثم ذکر کلمات القوم ثم قال : « والسبب فی إنکارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه ، وهو الذی فهمه عمر من حمل (أو) علی التسویة لما یقتضیه سیاق القصة وحمل السبعین علی المبالغة . . . » (77) .
8 ـ أخرج البخاری بسنده عن مسروق ، قال : « أتیت ابن مسعود فقال : إن قریشا أبطؤا عن الإسلام فدعا علیهم النبی [ صلی الله علیه وآله ] فأخذتهم سنة حتی هلکوا فیها وأکلوا المیتة والعظام ، فجاءه أبوسفیان فقال : یامحمد جئت تأمر بصلة الرحم ، إن قومک هلکوا . . .
زاد أسباط عن منصور : فدعا رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فسقوا الغیث . . . » (78) . وطعن فیه : ابن حجر العسقلانی ، العینی ، الداودی ، أبو عبد الملک ، الدمیاطی ، الکرمانی . . .
قال العینی : « واعترض علی البخاری زیادة أسباط هذا فقال الداودی : أدخل قصة المدینة فی قصة قریش وهو غلط . وقال أبو عبد الملک : الذی زاده أسباط وهم واختلاط . . . وکذا قال الحافظ شرف الدین الدمیاطی .
والعجب من البخاری کیف أورد هذا وکان مخالفا لما رواه الثقات ، وقد ساعد بعضهم البخاری بقوله : لا مانع أن یقع ذلک مرتین . وفیه نظر لا یخفی .
وقال الکرمانی : قلت : قصة قریش والتماس أبی سفیان کانت فی مکة لا فی المدینة . قلت : القصة مکیة إلا القدر الذی زاد أسباط فإنه وقع فی المدینة » (79) .
وقال ابن حجر بترجمة أسباط : « علق له البخاری حدیثا فی الاستسقاء ، وقد وصله الإمام أحمد والبیهقی فی السنن الکبیر ، وهو حدیث منکر أوضحته فی التعلیق . . . » (80) .
وهذا من المواضع التی اعترف فیها ابن حجر بنکاره الحدیث ولم یتمکن من الدفاع عنه . . .
9 ـ أخرج البخاری عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] أنه قال : « تکثر لکم الأحادیث من بعدی فإذا روی لکم حدیث فاعرضوه علی کتاب الله تعالی . . . » (81) .
قال یحیی بن معین : « إنه حدیث وضعته الزنادقة » .
وقال التفتازانی : « طعن فیه المحدثون » .
قال : « وقد طعن فیه المحدثون بأن فی رواته یزید بن ربیعة وهو مجهول ، وترک فی إسناده واسطة بین الأشعث وثوبان فیکون منقطعا . وذکر یحیی بن معین أنه حدیث وضعته الزنادقة . وإیراد البخاری إیاه فی صحیحه لا ینافی الانقطاع أو کون أحد رواته غیر معروف بالروایة » (82) .
10 ـ أخرج البخاری بسنده عن ابن عمر : « کنا فی زمن النبی [ صلی الله علیه وآله ] لا نعدل بأبی بکر أحدا ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترک أصحاب النبی [ صلی الله علیه وآله ] لا نفاضل بینهم » (83) .
قال ابن عبد البر : « هوالذی أنکر ابن معین وتکلم فیه بکلام غلیظ ، لأن القائل بذلک قد قال بخلاف ما أجمع علیه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر : أن علیا أفضل الناس بعد عثمان ، وهذا مما لم یختلفوا فیه ، وإنما اختلفوا فی تفضیل علی وعثمان . واختلف السلف أیضا فی تفضیل علی وأبی بکر .
وفی إجماع الجمیع الذی وصفنا دلیل علی أن حدیث ابن عمر وهم وغلط وأنه لا یصح معناه وإن کان إسناده صحیحا . . . » (84) .
11 ـ أخرج الشیخان عن شریک بن عبد الله عن أنس بن مالک قصة إسراء النبی [ صلی الله علیه وآله ] ، قال : « سمعت أنس بن مالک یقول : لیلة اسری برسول الله [ صلی الله علیه وآله ] من مسجد الکعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن یوحی إلیه وهو نائم . . . » (85) .
طعن فیه النووی فقال : « وذلک قبل أن یوحی إلیه ، وهو غلط لم یوافق علیه ، فإن الإسراء أقل ما قیل فیه : أنه کان بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا . . . » (86) .
والکرمانی فقال : « قال النووی : جاء فی روایة شریک أوهام أنکرها العلماء ، من جملتها أنه قال : ذلک قبل أن یوحی إلیه . وهو غلط لم یوافق علیه ، وأیضا : العلماء أجمعوا علی أن فرض الصلاة کان لیلة الإسراء فکیف یکون قبل الوحی ?!
أقول : وقول جبرئیل فی جواب بواب السماء إذ قال : أبعث ؟ نعم ، صریح فی أنه کان بعده » (87) .
وابن القیم وعبارته : « قد غلط الحفاظ شریکا فی ألفاظ من حدیث الإسراء ، ومسلم أورد المسند منه ثم قال : فقدم وأخر وزاد ونقص ، ولم یسرد الحدیث وأجاد » (88) .
12 ـ أخرج البخاری بسنده : « عن عمرو بن میمون ، قال : رأیت فی الجاهلیة قردة اجتمع علیها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم » (89) .
طعن فیه : الحمیدی وابن عبد البر ، قال ابن حجر : « استنکر ابن عبد البر قصة عمرو بن میمون هذه وقال : فیها إضافة الزنا إلی غیر مکلف ، وإقامة الحد علی البهائم ، وهذا منکر عند أهل العلم . . وأغرب الحمیدی فی الجمع بین الصحیحین فزعم أن هذا الحدیث وقع فی بعض نسخ البخاری ، وأن أبا مسعود وحده ذکره فی الأطراف ، قال : ولیس فی نسخ البخاری أصلا ، فلعله من الأحادیث المقحمة فی کتاب البخاری . . . » (90) .
13 و14 و15 ـ أخرج البخاری ثلاثة أحادیث عن عطاء عن ابن عباس ، اثنان منها فی کتاب الطلاق ، والآخر فی کتاب التفسیر (91) .
وقد طعن الأئمة فی هذه الأحادیث . وأذعن ابن حجر بخطأ البخاری فی إخراجها ، وهذا نص کلامه : « تعقبه أبو مسعود الدمشقی فقال : ثبت هذا الحدیث والذی قبله ـ یعنی بهذا الإسناد سوی الحدیث المتقدم فی التفسیر ـ فی تفسیر ابن جریح عن عطاء الخراسانی عن ابن عباس ، وابن جریح لم یسمع التفسیر من عطاء الخراسانی ، وإنما أخذ الکتاب من ابنه عثمان ونظر فیه . قال أبو علی : وهذا تنبیه بلیغ من أبی مسعود . . . » .
قال ابن حجر : « وهذا عندی من المواضع العقیمة عن الجواب السدید ، ولابد للجواد من کبوة ، والله المستعان . وما ذکره أبو مسعود من التعقب قد سبقه إلیه الإسماعیلی ، ذکر ذلک الحمیدی فی الجمع عن البرقانی عنه ، قال : وحکاه عن علی بن المدینی ، یشیر إلی القصة التی ساقها الغسانی ، والله الموفق » (92) .
16 ـ أخرج البخاری فی کتاب المغازی بسنده عن مسروق بن الأجدع قال : « حدثتنی ام رومان ـ وهی ام عائشة ـ . . . » (93) .
وقد غلط کبار الأئمة هذا الحدیث من جهة أن مسروقا لم یدرک ام رومان . . ومنهم : الخطیب البغدادی (94) ، ابن عبد البر (95) ، القاضی عیاض فی مشارق الأنوار (96) ، وإبراهیم بن یوسف ـ صاحب مطالع الأنوار ـ (97) ، السهیلی شارح السیرة (98) ، ابن سید الناس (99) ، المزی (100) ، الذهبی (101) ، العلائی (102) . . .
17 ـ أخرج البخاری فی کتاب المغازی بسنده عن علی : ان رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] نهی عن متعة النساء یوم خیبر وعن أکل لحوم الحمر الإنسیة » (103) .
وأخرجه مسلم بأسانید متعددة (104) .
وقد غلط هذا الحدیث جماعة منهم : البیهقی ، ابن عبد البر ، السهیلی ، ابن قیم الجوزیة ، العینی ، القسطلانی . . .
قال السهیلی : « هذا شیء لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الأثر أن المتعة حرمت یوم خیبر . . . » (105) .
وقال ابن القیم : « لم تحرم المتعة یوم خیبر وإنما کان تحریمها عام الفتح هذا هو الصواب . وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها یوم خیبر ، واحتجوا بما فی الصحیحین من حدیث علی بن أبی طالب رضی الله عنه . . . » (106) .
وقال العینی : « قال ابن عبد البر : وذکر النهی عن المتعة یوم خیبر غلط . وقال السهیلی . . . » (107) .
وقال القسطلانی : « قال ابن عبد البر : إن ذکر النبی یوم خیبر غلط ، وقال البیهقی : لا یعرفه أحد من أهل السیر » (108) .
18 ـ أخرج البخاری : « . . عن أبی هریرة ، قال : قال رسول الله : لم یکذب إبراهیم إلا ثلاثا . . .
عن أبی هریرة : لم یکذب إبراهیم إلا ثلاث کذبات ، ثنتین منهن فی ذات الله عزوجل : إنی سقیم . وقوله : بل فعله کبیرهم هذا .
وقال : بینا هو ذات یوم وسارة إذ أتی علی جبار من الجبابرة فقیل له : إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إلیه فاسأله عنها ، فقال : من هذه · قال : اختی . . . » (109) .
وأخرجه مسلم (110) .
وهذا الحدیث کذبه الفخر الرازی فی تفسیره وقال : بأن نسبة الکذب إلی الراوی أولی من نسبته إلی الخلیل علیه السلام (111) .
19 ـ أخرج مسلم عن عکرمة بن عمار ، عن أبی زمیل ، عن ابن عباس ، قال : « کان المسلمون لاینظرون إلی أبی سفیان ولا یقاعدونه ، فقال : یا نبی الله ثلاث أعطنیهن ، قال : نعم ، قال : أحسن العرب وأجملهم ام حبیبة ازوجکها ، قال : نعم ، قال : ومعاویة تجعله کاتبا بین یدیک ، قال : نعم ، قال : وتؤمرنی أن أقاتل الکفار کما کنت اقاتل المسلمین ، قال : نعم . . . » (112) .
وقد طعن فیه جماعة سندا ومتنا ، منهم الذهبی فی ترجمة عکرمة بن عمار (113) وابن حزم والنووی وابن القیم وابن الجوزی . قال ابن القیم : « إن حدیث عکرمة فی الثلاث التی طلبها أبو سفیان من النبی [ صلی الله علیه وآله ] غلط ظاهر لاخفاء به . قال أبو محمد بن حزم : هو موضوع بلاشک کذبه عکرمة بن عمار . قال ابن الجوزی : هذا الحدیث وهم من بعض الرواة لا شک فیه ولا تردد .
وقد اتهموا به عکرمة بن عمار ، لأن أهل التواریخ أجمعوا علی أن ام حبیبة کانت تحت عبیدالله بن جحش ، ولدت له وهاجر بها إلی أرض الحبشة ، ثم تنصر وثبتت ام حبیبة علی إسلامها ، فبعث رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] إلی النجاشی یخطبها فزوجه إیاها وأصدقها عن رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] صداقا ، وذلک فی سنة سبع من الهجرة . وجاء أبو سفیان فی زمن الهدنة ودخل علیها فثنت فراش رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] حتی لا یجلس علیه . ولا خلاف فی أن أباسفیان ومعاویة أسلما فی فتح مکة سنة ثمان .
وأیضا : فی الحدیث أنه قال : وتؤمرنی حتی اقاتل الکفار کما کنت اقاتل المسلمین فقال : نعم ، ولا یعرف أنه [ صلی الله علیه وآله ] أمر أباسفیان البتة » (114) .
وقال النووی : « إعلم أن هذا الحدیث من الأحادیث المشهورة بالإشکال . . . » (115) .
20 ـ أخرج مسلم حدیث أبی حمید الساعدی فی صفة صلاة رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] وقد ضعفه الطحاوی وغیره . . کما قد تقدم فی عبارة عبدالقادر القرشی .
هذا بعض الکلام حول الصحیحین وأخبارهما علی ضوء کلمات الأعلام . . وقد رأیت فی الکتابین رجالا کاذبین وأحادیث موضوعة وباطلة . . .
وأحادیث نقصان القرآن . . من هذا القبیل . . . فلا یهولنک الطعن فیها بعد ثبوت مخالفتها للإجماع والضرورة ومحکم التنزیل . . والله هو الهادی إلی سواء السبیل . .
***

الکلام حول الصحابة

إن المشهور بین أهل السنة « عدالة الصحابة » أجمعین . . قال أبو إبراهیم المزنی فی معنی حدیث أصحابی کالنجوم : « إن صح هذا الخبر فمعناه فیما نقلوا عنه وشهدوا به علیه ، فکلهم ثقة مؤتمن علی ما جاء به ، لا یجوز عندی غیر هذا » (116) .
وقال ابن حزم : « الصحابة کلهم من أهل الجنة قطعا » (117) وقال الخطیب : « عدالة الصحابة ثابتة معلومة » (118) وقال النووی : « الصحابة کلهم عدول من لابس الفتنة وغیرهم » (119) .
بل ادعی بعضهم الإجماع علی هذا المعنی صریحا کابن حجر العسقلانی (120) وابن عبد البر القرطبی (121) .

1 ـ الصحابة عدالة :

لکن دعوی الإجماع باطلة . . والمشهور لا أصل له . .
أما دعوی الإجماع فیکذبها نسبة هذا القول إلی الأکثر فی کلام جماعة من الأئمة . . قال ابن الحاجب : « الأکثر علی عدالة الصحابة ، وقیل : کغیرهم ، وقیل : إلی حین الفتن فلایقبل الداخلون ، لأن الفاسق غیر معین ، وقالت المعتزلة : عدول إلا من قاتل علیا . . . » (122) .
وقال الغزالی : « الذی علیه سلف الامة وجماهیر الخلف أن عدالتهم معلومة بتعدیل الله عزوجل إیاهم وثنائه علیهم فی کتابه ، فهو معتقدنا فیهم إلا أن یثبت بطریق قاطع ارتکاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلک مما لا یثبت ، فلا حاجة لهم إلی التعدیل . . وقد زعم قوم أن حالهم کحال غیرهم فی لزوم البحث ، وقال قوم : حالهم العدالة فی بدایة الأمر إلی ظهور الحرب والخصومات ، ثم تغیر الحال وسفکت الدماء فلابد من البحث ، وقال جماهیر المعتزلة : عائشة وطلحة والزبیر وجمیع أهل العراق والشام فساق بقتال الإمام الحق . . . » (123) .
وکذا فی « جمع الجوامع » وشرحه حیث قال : « والأکثر علی عدالة الصحابة لا یبحث عنها فی روایة ولا شهادة . . . » ثم نقل الأقوال الاخری (124) .
وفی « مسلم الثبوت » وشرحه : « الأکثر قالوا : الأصل فی الصحابة العدالة ، وقیل . . . » (125) .
بل صرح جماعة من أکابر القوم من المتقدمین والمتأخرین کالسعد التفتازانی (126) ، والمازری ـ شارح البرهان ـ (127) ، وابن العماد الحنبلی (128) ، والشوکانی (129) ، وأبی ریة (130) ، ومحمد عبدة (131) ، ومحمد بن عقیل (132) ، ومحمد رشید رضا (133) ، والمقبلی (134) ، والرافعی (135) ، وطه حسین ، وأحمد أمین . . . وغیرهم بأن فی الصحابة عدولا وغیر عدول ، وهذا هو رأی الشیعة الإثنی عشریة (136) .
وأما أنه مشهور لا أصل له . . فلأن هذا القول یناقض القرآن الکریم . . الذی تنص آیات کثیرة منه علی أن کثیرا من الأصحاب حول النبی فی حیاته صلی الله علیه وآله منافقون فسقة (137) حتی جاءت سورة منه بعنوان « المنافقین » .
ونصت الآیة الکریمة : « . . . أفإن مات أو قتل انقلبتم علی أعقابکم . . . » (138) علی ارتداد کثیرین منهم من بعده . . .
وجاءت الأحادیث الصحیحة شارحة هذه الآیة المبارکة ومن أشهرها وأصحها حدیث الحوض الوارد فی الصحیحین وغیرهما بألفاظ وطرق مختلفة (139) .
فالقول المذکور یناقض الکتاب والسنة . . ویناقض السیر والتواریخ وأحوال الصحابة . . وبالجملة . . فإن الصحابة ما کانوا یرون فی أنفسهم لأنفسهم وفیما بینهم ما قیل فی حقهم ووضع فی شأنهم . . فلقد تباغضوا وتسابوا وتضاربوا وتقاتلوا . .
وإن الآثار المنقولة عنهم الحاکیة لارتکابهم الکبائر واقترافهم السیئات من الزنا ، وشرب الخمر ، والربا . . وغیر ذلک . . کثیرة لاتحصی (140) .
فهذا هو القول بعدالة الصحابة أجمعین . . فهو مشهور . . لکن لا أصل له . . نعم . . یستدلون له بأدلة . . عمدتها ما رووا بأسانیدهم أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : « أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم » لکنه حدیث یعارض الکتاب والسنة والتاریخ الصحیح . . فلا اعتبار به . . مضافا إلی أن جمعا کبیرا من أعیان القوم ینصون علی أنه حدیث باطل موضوع ، ومنهم :
أحمد بن حنبل (141) ، أبو إبراهیم المزنی (142) ، أبو بکر البزار (143) ، ابن القطان (144) ، الدارقطنی (145) ، ابن حزم (146) ، البیهقی (147) ، ابن عبد البر ( 148) ، ابن عساکر (149) ، ابن الجوزی (150) ، ابن دحیة (151) ، أبو حیان الأندلسی (152) ، الذهبی (153) ، ابن القیم (154) ، ابن حجر العسقلانی (155) ، السخاوی(156) ، السیوطی (157) ، الشوکانی (158) .

2 ـ الصحابة علما :

وأما جهل الأصحاب بالقرآن الکریم والأحکام الشرعیة . . فالشواهد علیه کثیرة جدا ، بل یمتنع أن تحصی له عددا وتبلغ به حدا . . ونحن نکتفی هنا بکلام لابن حزم . . وللتفصیل فیه مجال آخر :
قال الحافظ ابن حزم : « ووجدنا الصاحب من الصحابة ـ رضی الله عنهم ـ یبلغه الحدیث فیتأول فیه تأویلا یخرجه به عن ظاهره ، ووجدناهم ـ رضی الله عنهم ـ یقرون ویعترفون بأنهم لم یبلغهم کثیر من السنن ، وهکذا الحدیث المشهور عن أبی هریرة : إن إخوانی من المهاجرین کان یشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخوانی من الأنصار کان یشغلهم القیام علی أموالهم ، وهکذا قال البراء . . . قال : ما کل ما نحدثکموه سمعناه من رسول الله صلی الله علیه وسلم [ و] لکن حدثنا أصحابنا ، وکانت تشغلنا رعیة الإبل .
وهکذا [ وهذا ] أبو بکر ـ رضی الله عنه ـ لم یعرف فرض میراث الجدة وعرفه محمد بن مسلمة والمغیرة بن شعبة ، وقد سأل أبو بکر ـ رضی الله عنه ـ عائشة فی کم کفن رسول الله صلی الله علیه وسلم ? وهذا عمر ـ رضی الله عنه ـ یقول فی حدیث الاستئذان : اخفی علی هذا من أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم . ألهانی الصفق فی الأسواق !
وقد جهل أیضا أمر إملاص المرأة وعرفه غیره ، وغضب علی عیینة بن حصن حتی ذکره الحر بن قیس بن حصن بقوله تعالی : (وأعرض عن الجاهلین) .
وخفی علیه أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بإجلاء الیهود والنصاری من جزیرة العرب إلی آخر خلافته ، وخفی علی أبی بکر ـ رضی الله عنه ـ قبله أیضا طول مدة خلافته ، فلما بلغ عمر أمر بإجلائهم فلم یترک بها منهم أحدا .
وخفی علی عمر أیضا أمره علیه السلام بترک الإقدام علی الوباء ، وعرف ذلک عبد الرحمن بن عوف .
وسأل عمر أبا واقد اللیثی عما کان یقرأ به رسول الله صلی الله علیه وسلم فی صلاتی الفطر والأضحی ، هذا وقد صلاهما رسول الله [ صلی الله علیه وآله وسلم ] أعواما کثیرة .
ولم یدر ما یصنع بالمجوس حتی ذکره عبد الرحمن بأمر رسول الله صلی الله علیه وسلم فیهم .
ونسی قبوله علیه السلام الجزیة من مجوس البحرین وهو أمر مشهور ، ولعله ـ رضی الله عنه ـ قد أخذ من ذلک المال حظا کما أخذ غیره منه .
ونسی أمره علیه السلام بأن یتیمم الجنب فقال : لا یتیمم أبدا ولا یصلی ما لم یجد الماء ، وذکره بذلک عمار .
وأراد قسمة مال الکعبة حتی احتج علیه ابی بن کعب بأن النبی علیه السلام لم یفعل ذلک فأمسک .
وکان یرد النساء اللواتی حضن ونفرن قبل أن یودعن البیت ، حتی اخبر بأن رسول الله صلی الله علیه وسلم أذن فی ذلک . فأمسک عن ردهن .
وکان یفاضل بین دیات الأصابع حتی بلغه عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] أمره بالمساواة بینها ، فترک قوله وأخذ المساواة .وکان یری الدیة للعصبة فقط حتی أخبره الضحاک بن سفیان بأن النبی [ صلی الله علیه وآله ] ورث المرأة من الدیة فانصرف عمر إلی ذلک .
ونهی عن المغالاة فی مهور النساء استدلالا بمهور النبی صلی الله علیه وسلم حتی ذکرته امرأة بقول الله عزوجل : (وآتیتم إحداهن قنطارا) فرجع عن نهیه .
وأراد رجم مجنونة حتی اعلم بقول رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] : رفع القلم عن ثلاثة ، فأمر أن لا ترجم .
وأمر برجم مولاة حاطب حتی ذکره عثمان بأن الجاهل لا حد علیه فأمسک عن رجمها .
وأنکر علی حسان الإنشاد فی المسجد فأخبر هو وأبو هریرة أنه قد أنشد فیه بحضرة رسول الله صلی الله علیه وسلم فسکت عمر .
وقد نهی عمر أن یسمی بأسماء الأنبیاء وهو یری محمد بن مسلمة یغدو علیه ویروح وهو أحد الصحابة الجلة منهم ، ویری أبا أیوب الأنصاری وأبا موسی الأشعری وهمالا یعرفان إلا بکناهما من الصحابة ، ویری محمد بن أبی بکر الصدیق وقد ولد بحضرة رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] فی حجة الوداع واستفتته امه إذ ولدته ماذا تصنع فی إحرامها وهی نفساء ، وقد علم یقینا أن النبی صلی الله علیه وسلم علم بأسماء من ذکرنا وبکناهم بلا شک وأقرهم علیها ودعاهم بها ولم یغیر شیئا من ذلک ، فلما أخبره طلحة وصهیب عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] بإباحة ذلک أمسک عن النهی عنه .
وهم بترک الرمی فی الحج ثم ذکر أن النبی [ صلی الله علیه وآله ] فعله فقال : لا یجب لنا أن نترکه .
وهذا عثمان ـ رضی الله عنه ـ ، فقد رووا عنه أنه بعث إلی الفریعة اخت أبی سعید الخدری یسألها عما أفتاها به رسول الله صلی الله علیه وسلم فی أمر عدتها وأنه أخذ بذلک .
وأمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فذکره علی بالقرآن وأن الحمل قد یکون ستة أشهر ، فرجع عن الأمر برجمها .
وهذه عائشة وأبو هریرة ـ رضی الله عنهما ـ خفی علیهما المسح علی الخفین وعلی ابن عمر معهما ، وعلمه جریر ولم یسلم إلا قبل موت النبی [ صلی الله علیه وآله ] بأشهر ، وأقرت عائشة أنها لا علم لها به وأمرت بسؤال من یرجی عنده علم ذلک وهو علی رضی الله عنه .
وهذه حفصة ام المؤمنین سئلت عن الوطء ، یجنب فیه الوطئ أفیه غسل أم لا ؟ فقالت : لا علم لی ! !
وهذا ابن عمر توقع أن یکون حدث نهی عن النبی [ صلی الله علیه وآله ] عن کراء الأرض بعد أزید من أربعین سنة من موت النبی [ صلی الله علیه وآله ] فأمسک عنها وأقر أنهم کانوا یکرونها علی ععد أبی بکر وعمر وعثمان ، ولم یقل : إنه لا یمکن أن یخفی علی هؤلاء ما یعرف رافع وجابر وأبوهریرة ، وهؤلاء إخواننا یقولون فیما اشتهوا : لو کان هذا حقا ما خفی علی عمر !
وقد خفی علی زید بن ثابت وابن عمر وجمهور أهل المدینة إباحة النبی صلی الله علیه وسلم للحائض أن تنفر حتی أعلمهم بذلک ابن عباس وام سلیم ، فرجعوا عن قولهم .
وخفی علی ابن عمر الإقامة حتی یدفن المیت حتی أخبره بذلک أبو هریرة وعائشة فقال : لقد فرطنا فی فراریط کثیرة .
وقیل لا بن عمر فی اختیاره متعة الحج علی الإفراد : إنک تخالف أباک فقال : أکتاب الله أحق أن یتبع أم عمر ؟! روینا ذلک عنه من طریق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهری ، عن سالم ، عن ابن عمر .
وخفی علی عبد الله بن عمر الوضوء من مس الذکر حتی أمرته بذلک عن النبی صلی الله علیه وسلم بسرة بنت صفوان ، فأخذ بذلک .
وقد نجد الرجل یحفظ الحدیث ولا یحضره ذکره حتی یفتی بخلافه وقد یعرض هذا فی آی القرآن ، وقد أمر عمر علی المنبر بأن لا یزاد فی مهور النساء علی عدد ذکره ، فذکرته امرأة بقول الله تعالی : (وآتیتم إحداهن قنطارا) فترک قوله وقال : کل أحد أفقه منک یا عمر ، وقال : امرأة أصابت وأمیر المؤمنین أخطأ !
وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فذکره علی بقول الله تعالی : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) مع قوله تعالی : (والوالدات یرضعن أولادهن حولین کاملین ) فرجع عن الأمر برجمها .
وهم أن یسطو بعیینة بن حصن إذ قال له : یا عمر ما تعطینا الجزل ولا تحکم فینا بالعدل ، فذکره الحر بن قیس بن حصن بن حذیفة بقول الله تعالی : (وأعرض عن الجاهلین) وقال له : یا أمیر المؤمنین هذا من الجاهلین ، فأمسک عمر .
وقال یوم مات رسول الله صلی الله علیه وسلم : والله مامات رسول الله ولا یموت حتی یکون آخرنا ، أو کلاما هذا معناه ، حتی قرئت علیه : (إنک میت وإنهم میتون) ، فسقط السیف من یده وخر إلی الأرض وقال : کأنی والله لم أکن قرأتها قط !
قال الحافظ ابن حزم : فإذا أمکن هذا فی القرآن فهو فی الحدیث أمکن ، وقد ینساه البتة ، وقد لا ینساه بل یذکره ولکن یتأول فیه تأویلا ، فیظن فیه خصوصا أو نسخا أو معنی ما ، وکل هذا لا یجوز اتباعه إلا بنص أو إجماع لأنه رأی من رأی ذلک ولا یحل تقلید أحد ولا قبول رأیه . . . » (159) .
هذا ، ولقد ذکر هذه القضایا وغیرها ابن القیم فی « أعلام الموقعین » وقال : « وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا کبیرا » (160) .
***

خاتمة الباب الثانی

لقد استعرضنا فی الباب الثانی کل ما یتعلق ب (أهل السنة والتحریف) حیث ذکرنا أن المشهور بینهم هو تنزیه القرآن عن الخطأ والنقصان ، وتعرضنا للأحادیث الموهمة لذلک عن أهم أسفارهم . . فما أمکن حمله علی بعض الوجوه المقبولة حملناه ، وما لم یمکن نظرنا فی سنده فما ضعف رددناه وما صح علی اصولهم کذبناه ، لتکذیب الکتاب والسنة والإجماع إیاه . . .
لکن هذا الرد والتکذیب . . أثار سؤالا عما إذا کان الحدیث صحیحا وصریحا فی اعتقاد بعض الأصحاب لتحریف الکتاب . . فکیف یکذب وتکذیبه طعن فی الصحیحین وعدالة الأصحاب ؟! وهذا ما دعانا إلی الدخول فی بحث موجز حول کتابی البخاری ومسلم ، وعدالة أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم . . .
وتلخص أن مذهب أهل السنة نفی تحریف القرآن . . إلا القائلین منهم بصحة جمیع ما اخرج فی الکتابین ، وبعدالة الصحابة أجمعین . . وهؤلاء هم « الحشویة » الذین نسب إلیهم هذا القول الطبرسی (161) وغیره وأنه لا قیمة لإنکار ذلک من الآلوسی (162) وغیره .

خاتمة البحث

فیما أهل الإسلام ! ! الله الله فی القرآن . . فی حفظه والعمل به والسعی فی تطبیقه فی المجتمعات الإسلامیة . . . لایسبقنکم بالعمل به غیرکم . .
ولا ینسبن أحد منکم القول بتحریفه والتلاعب به إلی أخیه . . . فإنه لم یثبت القول بذلک من أحد من الشیعة إلا من شذ ، ولم یقل به من السنة إلا الحشویة . . لأحادیث لا یستبعد محققو الفریقین دسها بین المسلمین من قبل الملاحدة والزنادقة . . دسوها لیتسنی لهم الطعن فی القرآن المجید هذا الکتاب الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه تنزیل من حکیم حمید . . فعوا وکونوا علی حذر . . .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین .
قم|علی الحسینی المیلانی
***

الهوامش

(1) المنهاج فی شرح صحیح مسلم بن الحجاج .
(2) الصواعق المحرقة : 5 .
(3) علوم الحدیث لأبی الصلاح . وعنه فی مقدمة فتح الباری : 8 .
(4) تدریب الراوی ـ شرح تقریب النواوی : 1|131 ـ 134 .
(5) حجة الله البالغة .
(6) ونخص الصحیحین بالبحث ، لأنه إذا سقط ما قیل فی حقهما سقط ما قیل فی حق غیرهما بالأولویة ، ونعبر عنهما بالصحیحین لأنهما موسومان بهذا الاسم .
(7) ذکروا للبخاری خاصة ما لا یصدق ، ففی مقدمة فتح الباری ـ ص 11 ـ : ذکر الإمام القدوة أبو محمد بن أبی جمرة فی اختصاره للبخاری ، قال : قال لی من لقیته من العارفین ممن لقی من السادة المقر لهم بالفضل : إن صحیح البخاری ما قرئ فی شدة إلا فرجت ، ولا رکب به فی مرکب فغرق ؛ قال : وکان مجاب الدعوة وقد دعا لقارئه » وفیها ـ ص 490 ـ : قال شیخ الإسلام أبو إسماعیل الهروی ـ فیما قرأنا علی فاطمة وعائشة بنتی محمد بن الهادی ـ : إن أحمد بن أبی طالب أخبرهم ، عن عبد الله بن عمر بن علی ، أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعا ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعیل الهروی ، سمعت خالد بن عبد الله المروزی ، یقول : سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزی ، یقول : سمعت أبا زید المروزی ، یقول : کنت نائما بین الرکن والمقام فرأیت النبی [ صلی الله علیه وآله ] فی المنام فقال لی : یا أبا زید ، إلی متی تدرس کتاب الشافعی ولا تدرس کتابی ؟ ! فقلت : یا رسول الله [ صلی الله علیه وآله ] وما کتابک ؟! قال : جامع محمد بن إسماعیل .
(8) ذکره الادفوی فی عبارته الآتیة .
(9) البدایة والنهایة 11|123 ، تهذیب الکمال 1|172 ، طبقات الشافعیة للسبکی 3|16 ، الوافی بالوفیات 6|417 .
(10) الفصول المهمة فی تألیف الامة : 168 .
(11) تذهیب التهذیب ـ ترجمة أحمد بن عیسی المصری ، میزان الاعتدال 1|125 .
(12 ) سیر أعلام النبلاء ـ ترجمة محمد بن یحیی الذهلی ـ 12|280 .
(13) هو محمد بن إسماعیل البخاری .
(14) میزان الاعتدال 3|138 .
(15) هما : أبو زرعة الرازی وأبو حاتم الرازی .
(16) فیض القدیر 1|24 .
(17) سیر أعلام النبلاء 13|81 .
(18) تهذیب التهذیب 7|30 .
(19) تهذیب التهذیب 7|30 .
(20) سیر أعلام النبلاء 13|71 ، تهذیب التهذیب 7|29 ، الکاشف 2|201 .
(21) سیر أعلام النبلاء 12|460 ، هدی الساری فی مقدمة فتح الباری 2|264 .
(22) تاریخ بغداد 3|415 .
(23) سیر أعلام النبلاء 12 | 274 .
(24) الجرح والتعدیل 7|191 .
(25 ) سیر أعلام النبلاء 13|264 ، مرآة الجنان 2|289 ، فوات الوفیات 2|288 .
( 26) سیر أعلام النبلاء 13|264 .
(27) فوات الوفیات 2|288 .
(28 ) سیر أعلام النبلاء ـ ترجمة علی بن حجر 11|509 .
(29) میزان الاعتدال 3|485 ، المغنی 2|557 .
(30) مضافا إلی أن الشیعة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والحنفیة ، والظاهریة ، لا یقولون بذلک وهم من هذه الامة .
(31) مقدمة فتح الباری : 9 .
(32) مقدمة فتح الباری : 9 .
(33) مقدمة فتح الباری : 9 .
(34) میزان الاعتدال 3|490 .
(35) أضواء علی السنة المحمدیة : 307 .
(36) انظر : مقدمة فتح الباری : 6 ، أضواء علی السنة المحمدیة : 301 .
(37) تاریخ بغداد 2|11 .
(38) مقدمة فتح الباری : 10 .
(39) التقریب فی علم الحدیث ، عنه فی منتهی الکلام فی الرد علی الشیعة : 27 .
(40) المنهاج فی شرح صحیح مسلم ، وعنه أضواء علی السنة المحمدیة : 313 ، « والتجوه » طلب الجاه بتکلف .
(41) شرح الهدایة فی الفقه ، وعنه فی أضواء علی السنة المحمدیة : 312 .
(42) ترجمته فی : حسن المحاضرة 1 |471 ، الدرر الکامنة 2|392 ، شذرات الذهب 6|238 .
(43) الجواهر المضیة فی طبقات الحنفیة 2|428 ـ 430 .
(44) ترجمته فی : الدرر الکامنة 2|72 ، النجوم الزاهرة 10|237 ، البدر الطالع 1|182 ، حسن المحاضرة 1|320 ، شذرات الذهب 6|153 .
(45) الإمتاع فی أحکام السماع ، عنه فی خلاصة عبقات الأنوار ـ تألیف : علی الحسینی المیلانی ـ 6|169 .
(46) انظر : خلاصة عبقات الأنوار 6|167 .
(47 ) فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2|123 .
(48) ترجمته فی : شذرات الذهب 6|328 ، الضوء اللامع 9|210 ، البدر الطالع 2|254 .
(49) التقریر والتحبیر فی شرح التحریر فی اصول الفقه ، وعنه فی أضواء علی السنة المحمدیة : 314 .
(50) صالح بن مهدی ترجمته فی : الأعلام 3|197 .
(51) العلم الشامخ ، وعنه فی أضواء علی السنة المحمدیة : 310 .
(52) هو الحافظ ابن حجر العسقلانی .
(53 ) قلت : سنشیر علی مواضع منها فیما سیأتی .
(54) المنار 29|41 .
(55) المنار 29|104 ـ 105 .
(56) أضواء علی السنة المحمدیة : 299 ـ 316 .
(57) ضحی الإسلام 2|117 ـ 118 .
(58) حاضر العالم الإسلامی 1|44 ـ 51 ، وعنه فی أضواء علی السنة المحمدیة : 326 .
(59) شرح ألفیة السیوطی ، عنه فی أضواء علی السنة المحمدیة : 311 .
(60) آفة أصحاب الحدیث ـ بتحقیق وتقدیم وتعلیق علی الحسینی المیلانی ـ : 44 .
(61) المصدر نفسه : 46 .
(62) المصدر نفسه : 49 .
(63) المصدر نفسه : 49 .
(64) صحیح البخاری 7|170 .
(65) الموضوعات 1|229 .
(66) لاحظ : إرشاد الساری 9 |153 .
(67) تفسیر الرازی 6|168 .
(68) الشفاء 2|118 .
(69) المحلی .
(70) صحیح البخاری 7|6 .
(71) فتح الباری 11|26 .
(72) صحیح البخاری 6|139 .
(73) فتح الباری 8|406 .
(74) صحیح البخاری 3|239 .
(75) التنقیح لألفاظ الجامع الصحیح ، عنه فی خلاصة عبقات الأنوار 6|208 .
(76) صحیح البخاری 6|85 و2|121 .
(77) فتح الباری 8|271 .
(78) صحیح البخاری 2|37 .
(79) عمدة القاری 7|46 .
(80) تهذیب التهذیب 1|212 .
(81) صحیح البخاری .
(82) التلویح فی اصول الفقه 2|397 .
(83 ) صحیح البخاری 5|18 .
(84) الاستیعاب 3|1115 .
(85) صحیح البخاری 9 | 182 ، صحیح مسلم 1|102 .
(86) المنهاج فی شرح مسلم 2|65 .
(87) الکواکب الدراری فی شرح صحیح البخاری 25|204 .
(88 ) زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2|49 .
(89) صحیح البخاری 5|56 .
(90) فتح الباری 7|127 .
(91) صحیح البخاری 7 | 62 ـ 63 و 6|199.
(92) هدی الساری|مقدمة فتح الباری 2|135 .
(93 ) صحیح البخاری 5|154 .
(94) انظر : فتح الباری 7|353 .
(95 ) الاستیعاب 4|1937 .
(96) انظر : فتح الباری 7|353 .
(97) انظر : فتح الباری 7|353 .
(98) الروض الآنف 6|440 .
(99) عیون الأثر 2|101 .
(100) تهذیب الکمال ـ مخطوط ـ .
(101) انظر : فتح الباری 7|353 .
(102) انظر : فتح الباری 7|353 .
(103) صحیح البخاری 5|172 ، وانظر : 7|123 و9|31 .
(104) صحیح مسلم 4|134 ـ 135 .
(105) الروض الآنف 6|557 .
(106) زاد المعاد 2|142 و2 | 183 و4|6 .
(107) عمدة القاری 17|246 ـ 247 .
(108) إرشاد الساری 6|536 و8|41 .
(109 ) صحیح البخاری 4|171 .
(110) صحیح مسلم 7|98 .
(111) تفسیر الرازی 22 |185 و26|148 .
(112) صحیح مسلم 7|171 .
(113) میزان الاعتدال 3 | 90 .
(114) زاد المعاد .
(115) شرح صحیح مسلم ـ هامش إرشاد الساری ـ 11|360 .
(116) انظر : جامع بیان العلم 2|89 ـ 90 .
(117) انظر : الإصابة 1|19 .
(118) انظر : الإصابة 1|17 ـ 18 .
(119) التقریب .
(120) الإصابة 1|17 ـ 18 .
(121) الاستیعاب 1|8 .
(122) المختصر فی الاصول 2|67 .
(123) المستصفی 1|164 .
(124) انظر : النصائح الکافیة : 160 .
(125) فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2 | 155 .
(126) إحقاق الحق ـ للتستری ـ 2|391 ـ 392 عن شرح المقاصد .
(127) الإصابة 1|19 ، النصائح الکافیة : 161 .
(128) النصائح الکافیة : 162 عن الآلوسی .
(129) إرشاد الفحول .
(130) شیخ المضیرة أبو هریرة : 101 .
(131) أضواء علی السنة المحمدیة .
(132) النصائح الکافیة .
(133) شیخ المضیرة أبو هریرة .
(134) المصدر نفسه .
(135) إعجاز القرآن .
(136) انظر کتاب : « أصحابی کالنجوم » العدد الاول من سلسلة الأحادیث الموضوعة ، تألیف : علی الحسینی المیلانی .
(137) انظر الآیات فی سورة آل عمران ، سورة التوبة . . .
(138) آل عمران : 3|144 .
(139 ) صحیح البخاری ، باب فی الحوض 4|87 ـ 88 .
(140) انظر : أصحابی کالنجوم : 73 ـ 81 .
(141) نقل ذلک عنه فی : التقریر والتحبیر ـ لابن أمیر الحاج ـ ، المنتخب ـ لابن قدامة ـ التیسیر فی شرح التحریر 3|243 ، سلسلة الأحادیث الضعیفة والموضوعة 1|79 .
(142) جامع بیان العلم ـ لابن عبد البر ـ 2|89 ـ 90 .
(143) جامع بیان العلم 2|90 ، أعلام الموقعین 2|223 ، البحر المحیط 5|528 .
(144) الکامل|ترجمة جعفر بن عبد الواحد الهاشمی القاضی وحمزة النصیبی .
(145) غرائب مالک ، تخریج أحادیث الکشاف 2|628 .
(146 ) البحر المحیط 5|528 ، سلسلة الأحادیث الضعیفة والموضوعة 1|78 .
(147 ) المدخل ، وعنه فی الکافی الشاف فی تخریج أحادیث الکشاف ـ المطبوع علی هامش الکشاف ـ 2|628 .
(148) جامع بیان العلم 2|90 ـ 91 .
(149 ) التاریخ ، وعنه فی فیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر 4|76 .
(150) العلل المتناهیة فی الأحادیث الواهیة ، وانظر : فیض القدیر 4|76 .
(151) تعلیق تخریج أحادیث منهاج البیضاوی .
(152) البحر المحیط 5|527 ـ 528 .
(153) میزان الاعتدال 1|413 و2 | 102 .
(154) أعلام الموقعین 2|223 .
(155) الکافی الشاف فی تخریج أحادیث الکشاف .
(156) المقاصد الحسنة 26|27 .
(157) الجامع الصغیر ـ بشرح المناوی ـ 4|76 .
(158) إرشاد الفحول : 83 .
وراجع أصحابی کالنجوم : 21 ـ 60 للاطلاع علی کلمات العلماء الذین سبق ذکرهم وعلی کلمات علماء آخرین غیرهم بهذا الخصوص .
(159) الإحکام فی اصول الأحکام 2|12 .
(160) أعلام الموقعین .
(161) مجمع البیان 1|15 .
(162) روح المعانی 1|21 .

مقالات مشابه

نقد و بررسي روايتي در تحديد قرآن به سه بخش

نام نشریهحسنا

نام نویسندهمحدثه ایمانی

نقد كتاب مقدس: خاستگاه تاريخي ـ معرفتي و تأثير آن بر مطالعات قرآني

نام نشریهمعرفت ادیان

نام نویسندهجعفر نکونام, نفیسه امیری دوماری

تعارض اختلاف قرائات و عدم تحریف قرآن

نام نشریهمطالعات قرآنی

نام نویسندهسیدمرتضی پور ایوانی